من الأخطاء الشائعة في معظم مجتمعات العالم اكتساب عادات وسلوكيات خاطئة تصبح مع مرور الوقت والممارسة اليومية لها وكأنها السلوك الصحي الصحيح الذي يجب عليهم التمسك به. وكان من تبعات ذلك انتشار أمراض العصر بشكل كبير، شاملةً جميع الفئات العمرية من الجنسين. فمؤشرات انتشار داء السكري وأمراض القلب والشرايين التاجية وارتفاع ضغط الدم باتت مخيفة ليس بالنسبة للمصابين بها فحسب بل أيضا بالنسبة للمسئولين عن الصحة.
ويكمن وراء ذلك عدد من العوامل التي نطلق عليها عوامل الخطورة مثل السمنة وزيادة الوزن، التدخين، حياة الترف والرفاهية وعدم ممارسة الرياضة ..الخ والسؤال الذي يطرح نفسه، الى متى يظل الفرد مستسلما لهذه العوامل ومضاعفاتها؟ وهل بالإمكان أن نغيّر بعضا من عاداتنا غير الصحّية بأخرى صحّية؟
يؤكد العلماء والباحثون المتخصصون في مجال الصحة الوقائية أن ذلك ممكن جدا! بشرط ان تتوفر أولا قوة الارادة ودافع التغيير الى الأفضل، وذلك باتباع جداول تنظم العمل اليومي وتحيله الى سلوك روتيني جديد يستمر عليه الفرد في مستقبل أيامه.
ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة:
- وجبة العشاء، على سبيل المثال، تعود الكثيرون تناولها في ساعة متأخرة من الليل وبالذات عند وقت النوم. يجب أن نغير هذا التوقيت بحيث يكون الأكل قبل النوم بوقت كاف وعلى الأقل بساعتين تتم فيها عملية الهضم والامتصاص ثم الحرق.
- ممارسة الرياضة البدنية، مثال آخر، فقد تعود الكثيرون على حياة الكسل والخمول. ويجب انتهاج سلوك صحي جديد يضمن ممارسة الرياضة على الأقل مدة ثلاثة أيام في الإسبوع. وللبدء في هذا التغيير السلوكي يمكن الاستعانة بأحد الأصدقاء لديه نفس هذا الاحتياج، فيشد الواحد من أزر الآخر مشجعا له على الإلتزام اليومي وعدم قبول أية أعذار للتخلف عن أدائها.
- أكل السكّريات والنشويات والاعتماد على الوجبات الجاهزة: يجب أيضا تغيير هذه العادة الغذائية غير الصحية. ويفيد الخبراء أن تخفيض كمية ما يتناوله الشخص من هذه الأصناف قد يكون أمرا قاسيا له ويصعب الاستمرار عليه فيما بعد، وينصحون بالتخلص المطلق من الأصناف التي تعود الشخص تناولها باستمرار مثل أنواع الحلوى أو القهوة أو المشروبات الغازية، حيث تعتبر أصنافا إضافية ذات آثار سلبية على البعض. ومما يشجع على الاستمرار في عدم تناولها الشعور بالنشاط والصحة بدلا من الثقل والكسل.
- التدخين، فما من مدخن مقتنع بهذا السلوك المؤذي، والمدخنون يسعون لمن يأخذ بأيديهم للاقلاع عن التدخين. وينصح الخبراء أيضا بطريقة الاقلاع النهائي لا التدريجي لمن هو جاد في طلب التخلص من هذه العادة.
إن إدراك الشخص لعوامل الخطر الصحية التي يمارسها في حياته اليومية يعتبر الخطوة الأولى في الطريق الصحيح نحو حياة صحية سليمة، ثم البدء في التغيير هو بداية الطريق، والنجاح مرتبط بالعزيمة على الاستمرارية وتشجيع الآخرين.
مثيرات داء الشقيقة من الأخطاء الشائعة عدم إهتمام مرضى بعض الحالات المزمنة بالتعرف على المواد أو الأوضاع التي تؤدي الى ظهور أعراض الأمراض التي يعانون منها عندما يكون المرض في فترة هدوء وسكون كما في حالة مرضى الربو ومرضى الصرع ومرضى الصداع النصفي أو ما يسمى بالشقيقة.
إن أفضل مثال على هذه الأمراض داء الشقيقة، وهو عبارة عن صداع حادّ يكون مصحوبا بغثيان ويؤدي الى حسّاسية للضوء والصوت. وتشير الدراسات الى أن داء الشقيقة أكثر شيوعا في النساء من الرجال، وأنه من الأمراض التي يمكن تفادي تكرار حدوثها بالابتعاد عن المثيرات والمحفزات لها.
قسم الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة وضع قائمة بالمثيرات triggers الشائعة التي يمكنها أن تتسبب في ظهور نوبة داء الشقيقة في النساء، ومن أهمها:
> عدم تناول وجبة مشبعة من الطعام.
> عدم الحصول على القدر الكافي من النوم.
> التعرّض إلى الأضواء الساطعة أو الضوضاء العالية.
> اضطراب وتقلّب في مستوي الهورمونات، مثلما يحدث أثناء الدورة الشهرية.
> لتغيّر المفاجئ في الطقس.
> بعض العوامل العاطفية، مثل التوتر أو القلق.
> تناول الشوكولاته أو الكحول أو النيكوتين، وكذلك بعض المواد المضافة للطعام.
وعليه فإن الالمام بالعوامل المثيرة للمرض والتعرف عليها يمكن المريض من الابتعاد عنها بقدر الامكان وبالتالي يقلل من احتمالات الاصابة بنوبة حادة من نوبات المرض.
للحركة آثار ايجابية عديدة من الأخطاء الشائعة أن كثيرا من أفراد المجتمع لا زالوا يعيشون حياة الكسل والخمول وقلة الحركة، رغم الأدلة العلمية العديدة التي تثبت العلاقة الوثيقة بين ممارسة التمارين البدنية وتقليص نسبة الاصابة بالأمراض. فلقد ثبت أنّ أداء التمارينِ بانتظام يُخفّضُ من حدوث الأمراضِ المُزمنةِ مثل أمراضِ القلب، مرض السكّر، وبَعْض أنواعِ السرطانِ.
وهناك دراسة حديثة نشرت في مجلّة عِلْم وظائف الأعضاءِ التطبيقيِ، عدد مارس/آذار 2008 the Journal of Applied Physiology تفيد أن التمارين تقلل أيضا من فرص تكوين حصوات المرارة.
وحيث أن تشكيل الحصوات في الانسان يستغرق فترة زمنية طويلة جداً تصل الى عدة سنوات، مما يجعل أمر دراستها صعباً جدا، فقد اتجه العلماء الى الفئرانِ معتمدين على أن عملية تشكيلِ حصوات المرارة متماثلة بما فيه الكفاية بين الفئرانِ والانسان مع فارق عامل الزمن عند الفئران، وذلك لأن البروتينِات التي تشتركَ في تكوين الكولستيرولِ وأيض حمض الصفراءِ متماثلة جداً.
تم في هذه الدراسة اطعام 50 فأرا طعاما يزيد من احتمال تشكيلِ الحصوات. تم تعريض نِصف الفئرانَ لحركة بدنية شديدة لمدة 12 أسبوعِا تَضمّنَت 45 دقيقةَ ركض، 5 أيامِ في الإسبوع. أما النصف الآخر من الفئران فبقيت لا تتحرك لنفس المدة (12 إسبوعِا). في نهايةِ فترةِ الدراسةَ، تم استخراج وإزالة الحصوات. وجد أن الوزن الكليّ للحصوات عنْد الفئرانِ الساكنة (عديمة الحركة) 143 مليغراماَ، وعند الفئران المتحركة 57 مليغراماِ. وهذه النتيجة ترجح التأثير الايجابي للحركة وممارسة التمارين البدنية بانتظام وأنها تقلل نسبة تشكيل الحصوات عند الانسان