سريعا.. سريعا.. يطوي الزمن نفسه وتفلت أيام العمر من قبضة أيدينا وتسارع الشيخوخة إلينا تلتهم وهج الشباب وروعته تعبث بعنفوانه وتدمر أماراته فيشتعل الرأس شيبا وتئن عظامنا من قسوة الوهن حينئذ نكابد متاعب الشيخوخة ويخفت حلم العودة إلي الشباب جملة وتفصيلا.
مشاعر حتمية نعيشها جميعا ونقرأها في سنة الله في خلقه ونبصرها في دستور السماء في الآية الكريمة رقم "5" من سورة الحج "يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمي ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفي ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا".
وضمن سلسلة حواراتنا لنبصر آيات الله في أنفسنا نستضيف اليوم الدكتور أحمد الجارم أستاذ الباطنة والجهاز الهضمي لنحاورهم حول ما توصل إليه العلماء عبر أبحاثهم لاستكشاف آفات الشيخوخة وأماراتها وأبعادها في أنفسنا.
يقول الدكتور أحمد الجارم أحد الرواد الأوائل في الطب الحديث: رغم كثرة الأبحاث التي أجراها كبار العلماء في العالم ورصدوا لها المليارات لاكتشاف أسرار الجسم البشري إلا انهم لم ينجحوا إلا في اكتشاف القليل القليل وبقي جسم الإنسان سرا كبيرا من أسرار الخالق الأعظم ودعونا نبصر آية الشيخوخة في المخ باعتباره المركز الذي يدير كل العمليات التي تجري في جسم الإنسان لقد درسنا "مادة الفسيولوجي" أو علم وظائف الاعضاء وكنا طلابا في كلية الطب نعتقد اننا سنبصر هذه الأسرار ولكننا فوجئنا بالعلماء في كل أنحاء العالم لم يقدموا لنا إلا القليل القليل من أسرار الله في بناء هذا الخلق لقد تعرف العلماء علي موقع الذاكرة في المخ لكنهم عجزوا عن فهم سر عملها في مرحلة الشباب وكيف تحتفظ بملايين المعلومات ثم تتبعوها في الشيخوخة ولكنهم لم يكتشفوا سر "النسيان" الذي يصيب الإنسان ويجعله يفقد القدرة علي التذكر وهو ما أسماه العلماء بمرض "الزهايمر" وكل ما رصدوه عن هذا المرض الخطير الذي عبر عنه القرآن بعبارة بليغة بقوله جل شأنه "ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا".
لقد عجز العلماء عن فهم سر مرض "الزهايمر" أو شيخوخة المخ وعجزوا عن علاج هذا المرض كل ما عرفوه في أبحاثهم ان خلايا المخ العصبية تضمحل وتغذيها شرايين المخ وتضمر القشرة المخية فيغفل الإنسان شيئا ما ثم ينسي ما فعله أو يقرأ معلومة معينة فينساها أي انه يتذكر الأحداث القديمة التي أودعها في خلايا المخ الشابة لكن ينسي الأشياء والأحداث الحديثة ربما لأن خلايا الذاكرة ضمرت ولم تعد قادرة علي الاحتفاظ بأي حدث قريب وعادة تتسلل الشيخوخة إلي المخ في سن الخمسين وتصيبه بالزهايمر بنسبة تتراوح بين 4:9% ممن وصلوا إلي هذه المرحلة ولكن نسبة ضحايا مرضي الزهايمر قد تقفز إلي 60% ممن وصلوا سن الخامسة والثمانين عاما ومن أهم ما قدمه العالم "لويس زهايمر" للبشرية عن المرض الذي سمي باسمه انه أخطر مرض يصيب الخلايا العصبية في المخ حيث لا يعرف الإنسان من هو ولا يتعرف علي من حوله من البشر ولا ماذا يفعل ان المرض الذي يبدأ مباغتة للإنسان بتهتهة في اللسان ثم اكتئاب وعصبية زائدة وهو مرض وراثي ينتهي برفض الأكل وعدم مقدرته علي العناية بالنظافة الشخصية وإجمالا انه مرض عدم الاحساس بما يجري في الحياة.
ونتابع حوارنا واسأل الدكتور أحمد الجارم عن شيخوخة الدورة الدموية شيخوخة أو دم يجري في أوعية تحمله إلي كل خلية من خلايا الجسم فيقول حينما نتأمل إبداع الله العظيم في خلق الدم نجده جل شأنه قد خلق كره الدم الحمراء وما بها من هيموجلوبين لتمسك بالاكسجين في عملية مضبوطة بطريقة أذهلت العلماء ومع الشيخوخة تضيق الشرايين وتضمحل الطبقة الملساء التي تغلفها وتتراكم بعض الدهون علي هذه الشرايين وحينما يمر الدم لا يتدفق بالقوة التي كان عليها في مرحلة الشباب ويصيبه الكسل في تدفقه ويرسي فوق الدهون ويحدث تخثر في الدم و يقل اتساع الشرايين وتضيق حتي تحدث الجلطة فتسدها تماما وهنا تحدث الوفاة أو يقع الخطر الأكبر الذي يهدد استمرار الحياة إذ يحدث ان تقوم الشعيرات الجانبية بتوصيل الدم للقلب فلا يموت الشخص ولكن يستمر الإنسان تحت خطر عودة الجلطة من جديد وحيث قد يحدث ورم في القدمين وتضخم في عضلة القلب.
سنة الله في خلقه
وماذا عن شيخوخة الكبد؟
ويجيب الدكتور أحمد الجارم: اكتشف العلماء ان الله جل شأنه خلق في الخلية الحياة مثلما خلق فيها الموت ولذلك فإن الخلية تظل تعمل علي امتداد العمر وتضمحل شيئا فشيئا والكبد يعتبر من أهم أعضاء الجسم حيث لا يتناول الإنسان مادة غذائية إلا ومرت عليه ومع الشيخوخة تضمحل خلايا الكبد حتي بدائل هذه الخلايا المضمحلة وجدها العلماء هامدة ضعيفة ولا تؤدي وظيفتها بنفس القوة التي منحها الله للإنسان عند خلقه في مراحل الطفولة والشباب لأن الشيخوخة تكون قد تسللت إليها وأصابتها بوهن الشيخوخة وأعمل الزمن أظافره في بنيانها وهكذا يستسلم الأطباء لسنة الله في خلقه.