في بداية الحديث يقول النبيّ عليه الصلاة والسلام لأصحابه:"هل مشمر للجنّة، فإن الجنّة لا خطر لها"، أي لا مثل لها، وقوله عليه الصلاة والسلام:"هي وربّ الكعبة" أي أقسم بربّ الكعبة بأنّها نور يتلألأ أي فلا تحتاج إلى شمسٍ ولا قمرٍ، لا ظلام فيها هناك كما في الدنيا، لكن مقدار الليل والنهار يُعرف بعلامة جعلها الله فيها، إذا كانت المرأة من نساء الجنّة كما نعتها رسولُ الله ووصفها بحيث لو اطّلعت على هذه الدنيا لأضاءت ما بين المشرق والمغرب فمن أين يكون فيها ظلام، ولو كانت أعين أهل الجنّة بنسبة قوتها اليوم لعمي أهل الجنّة من عظم نور الجنّة، لكن الله يعطيهم قوّة أضعاف أضعاف أضعاف ما جعلها في أعينهم اليوم، قوّتها اليوم نسبة ضئيلة كنسبة النقطة من البحر، الله أعطى أبصارهم قوّة بحيث تستطيع أن ترى مسافة ألف سنة كأنّها كفّ، يرونها رؤية ليس فيها اشتباه.
ووصفها صلى الله عليه وسلم بأنها "ريحانة تهتز"، أي ذات خضرة كثيرة يانعة أي معجبة المنظر، وليس هناك مواسم للثّمار بل في أيّ وقت ما تشتهيه تجده فقد قال الله تعالى: ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ﴾ ( سورة الواقعة/۳۳) فإذا كان المؤمن جالسًا أو مستلقيًا فاشتهى أن يأكل من شجرة من أشجار الجنّة مالت إليه ليأخذ منها ما يريد ثمّ تعود كما كانت، وقد أنبت الله فيها بدل الذي أخذ منها، ثمّ إنّ كلّ شجرةٍ في الجنّة ساقها من ذهب، وأشجار الجنّة لما تتحرّك يصدر لها صوت جميل جدًّا تميل إليه النفوس، ومما جاء أيضًا ما رواه البخاريّ أنّه يوجد في الجنّة شجرة اسمها طُوبى يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها تتفتّق بثياب أهل الجنّة أي يخرج منها ثياب لأهل الجنّة يلبسونها، فثيابهم جميلة جدًّا منها الحرير والسّندس والإستبرق، ومجامرهم الألوّة أي العود وأمشاطهم الذهب، وكلام أهل الجنّة عربي، يذكرون الله ويسبّحونه ويقرأون القرءان أما الصلاة فلا يصلّون.
وفي الحديث أيضًا وصف الجنة بأنها "قصر مشيد" أي فيها قصور عالية مرتفعة في الهواء، ويؤيده ما ورد في الحديث أنّ للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة واحدة طولها في السماء ستون ميلاً، وفي الجنة جنّتان ءانيتهما وما فيهما من ذهب، يسكنهما المقرّبون، وهناك أيضًا جنتان من فضة ءانيتهما وما فيهما. وقد ورد في الحديث الصحيح أنّ الجنّة منها ما بناؤه لبنُ ذهب ولبنُ فضة، وهي كما قال رسول الله:"جنان كثيرةٌ" رواه البخاري. وكذلك يوجد في الجنة غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها.
وقوله عليه السلام "نهر مطرِد" أي أنهار جارية لا تكلّف تعبًا بالتناول منها، لأنها ليست في وهاد عميقة بل هي جارية على وجهها على وجه أرض الجنة، قال الله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ (سورة محمد/۱۵) فالماء الذي في الجنة ألذّ من ماء الدنيا بكثير، واللبن المذكور في الآية المراد به الحليب وهوغير الحليب الذي تخرجه الأنعام في الدنيا وألذّ منه بكثير، والخمر الذي هناك لا يُسكر ولا يغيّب العقل ولا يصدع الرأس وليس مرّ الطّعم بل هو لذيذ الطعم جدًّا، والعسل الذي هناك غير العسل الذي تخرجه النحل وألذ منه بكثير. فالأسماء متفقة والصفات مختلفة.
وقوله عليه السلام "وفاكهة نضيجة" أي أنّ فيها من الفواكه كلّ ما تشتهيه النفس، وكل ما فيها من الفواكه نضيج. وفي الجنة أيضًا طيور وغنم، وقد وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"إنّك لتنظر إلى الطّير في الجنّة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويًا"، ثم بعدما يأكله المؤمن يعيده الله كما كان فيطير.
وأما قوله عليه السلام "وزوجة حسناء جميلة" فتفسيره ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم :"لكلّ امرئ منهم زوجتان من الحور العين" وهذا الحديث صحيح متفق عليه، والحور العين نساء أهل الجنة من غير الإنس خُلقن خلقًا من غير توالد إكرامًا للمؤمنين، والحورُ جمع حوْراء والعِينُ جمع عَيناء، والحورُ من الحور وهو شدّة بياض العين وشدّة سوادها، وأما العِين فمعناه واسعات العيون، وقد قال الله تعالى في وصفهن :{كأنهنَّ الياقوت والمرجان} وهنّ خيرات حِسان أزواج قوم كرام. والواحدة منهن من شدة صفاء عظمها يُرى مخّ ساقها من خلال الجلد وذلك من شدة جمالها.
وورد في الحديث الصحيح أيضًا الذي رواه الضياء المقدسي في المختارة :"أنّ الرجل من أهل الجنّة ليطوف في الغداة الواحدة على مائة عذراء". وجاء في الحديث الصحيح أنّ الشهيد له اثنتان وسبعون زوجة، ثم سائر أهل الجنة على مراتب منهم من عنده مائة من النساء، في الجنّة الله يعطي الواحد من الرجال قوة مائة رجل في الشهوة، وكذلك في الأكل والشّرب، ولا يصيب المؤمن فتور عقب الجماع ولا ينزل منه منيّ لأن الجنّة ليس فيها ذلك ولكن يحس باللّذّة دون نزول المنيّ.
وقد ثبت في الحديث أن نساء أهل الجنة على رءوسهن خُمُر، الدنيا وما فيها لا تساوي الخمار الذي يلبسنه نساء أهل الجنّة، وهن يلبسن الخمار تجملاً زيادة في الحسن، والخمار ما تغطي النساء به رءوسهنّ.
ونساء الجنّة أبكار أي كلما أتى المؤمن زوجته منهن وجدها بكرًا، ثم مع كثرة أزواج أهل الجنّة لا يحصل بين نسائهم تباغض وغيرة وتحاسد وتنافر وتحاقد لأنّ الله يطهّر قلوب أهل الجنّة من ذلك، الله جعل قلوب أهل الجنّة كقلب شخص واحد. أما النساء المؤمنات من بنات ءادم اللاتي ما كنّ متزوجات في الدنيا، الله تعالى يزوّجهنّ من هؤلاء البشر،
ومن كانت متزوجة تعود لزوجها إن ماتت في نكاحه. المرأة يجعل الله فيها القناعة وطمأنينة النفس في الزوج الواحد. بل تكون مسرورة بزوج واحد مكتفية به راضية بما أعطاها الله، والمؤمنة التقيّة من بنات ءادم أفضل عند الله من الحور العين مقامًا.
وليس في الجنة عزبٌ ولا عَزبة بل كلهم يتزوّجون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما في الجنّة أعزَب" رواه مسلم.
وقوله عليه السلام في الحديث المذكور: "في مقام أبديّ" أي في حياة دائمة لا نهاية لها.
وقوله: "في حُبرة"، أي سرور دائم، معناه أنهم في بحبوحة عيش أي أن عيشهم واسع لا يصيبهم فيها ضيق وكذلك لا ينامون لأنهم لا يشعرون بتعب جسماني، ملأ الله نفوسهم سرورًا فلا يجد النومُ مجالاً إليهم.
وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم :"نضرة" فمعناه أن وجوه أهلها ناضرة أي جميلة لأنهم ليس عليهم فيها كآبة. وليعلم أنّ أعظم نعيم أهل الجنّة هو رؤيتهم لذات الله عزّ وجلّ، فليس شىءٌ أحبّ إلى أهل الجنّة من رؤية الله، يرونه بلا كيف ولا مكان ولا جهة، الأولياء يرونه كلّ يوم مرتين أما سائر المؤمنين ففي الأسبوع مرّة.
وفي نهاية هذا الحديث قال الصحابة لرسول الله :"نحن المشمّرون يا رسول الله"، فقال: "قولوا إن شاء الله"، ليعلمهم التفويض إلى الله في أمورهم كلّها، الإنسان لا ينبغي أن يركن إلى نفسه بل اعتماده على ربه، فمن أراد ذلك النعيم المقيم فليتق الله بتأديته الواجبات واجتناب المحرمات. فقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال :"أطعم الطعام، وصل الأرحام وصلّ باللّيل والنّاس نيام تدخل الجنّة بسلام" ففي هذا الحديث بيان أن من أخذ بهذه الخصال دخل الجنة بدون عذاب. أما إطعام الطعام فإنه يحصل به الثواب في إطعام المسلم والكافر لأن الله تبارك وتعالى أثنى على الذين يطعمون الطعام يريدون وجهه الكريم فقال :{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (سورة الانسان) يعني بالأسير الكافر، فليس إطعام الطعام مقصورًا على المسلم، بل يكون فيه أجر وثواب لمن أطعم الكافر أيضًا. فهنيئًا لمن عمل لآخرته فإنّ نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة كَلاَ شىء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه (وأشار أحدهم بالسبابة) في اليمّ فلينظر بم يرجع" رواه مسلم، ومعناه هذا البلل الذي يعلق بالإصبع ماذا يكون بالنّسبة لِعِظم البحر؟ كلا شىء. وقد جاء في الحديث :"موضع سوط أحدكم من الجنّة خير من الدنيا وما عليها" رواه البخاري. السوط هو الآلة التي تستعمل للضرب تكون غالبًا من الجلد، أي أن المساحة التي يأخذها السوط إذا وضع على الأرض من الجنة خير من الدنيا وما فيها.
ومن خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو أول من يأخذ بحلقةِ بابِ الجنة (أي يحركها) يستفتح فيقول المَلَك خازن الجنّة الموكّل ببابها: من؟ فيقول:"محمّد"، فيقول المَلَك :"بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك" رواه مسلم.
وأمّة محمّد فيهم سبعون ألفًا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنّة دفعة واحدة بلا حساب ولا عقاب وهؤلاء هم الأولياء الصالحون من عباد الله، ويليهم أناس وجوههم كأشد كوكب درّيّ مع كل ألف من السبعين ألفًا المذكورين سبعون ألفًا مثلهم يدخلون الجنّة بلا حساب ولا عقاب، ومعهم زيادة عليهم لا يعلم مقدارهم إلا الله يدخلون الجنّة أيضًا بلا حساب ولا عقاب.
ومن خصائص هذه الأمة ما ورد في الصحيح من قوله عليه السلام :"نحن الآخرون السّابقون" رواه البخاري، أي الآخرون وجودًا بين الأمم، السّابقون دخولاً الجنّة.
تابع