الحمد لله الذي وسع كرسيّه الأرض والسموات، من دلت على وجوده الآيات، الذي خلق الليل والنهار والأنوار والظلمات، سبحانه لا شبيه له ولا يوصف بجهة من الجهات، والصلاة على سيدنا محمد سيد السادات، وفخر الكائنات، وعلى ءاله وصحبه وعلى من تبعهم باحسان مع أشرف التسليمات، رزقنا الله اتباعهم الى الممات، وجمعنا معهم فيما أعد للمتقين من الدرجات.
يقول الله تبارك تعالى في القرءان الكريم: ﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (سورة الأعراف).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله سبحانه وتعالى يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة، فيقولون لبيّك ربَّنا وسعديك والخير كله في يديك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا ربنا وأي شىء أفضل من ذلك فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا" رواه البخاري.
أما بعد:
فانه يسرنا أن نضع بين يدي القارئ كتابًا أسميناه "الجنّة ونعيمها" هو في وصف الجنّة التي أعدّها الله لعباده المؤمنين، عسى أن يكون هذا الكتاب دافعًا للإسراع والثبات على الطاعة أملاً أن نكون من أهل تلك الدار التي جاء في وصفها في الحديث القدسيّ: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فهي التي تستحق أن يعمل لها كل جهد وأن يتنافس عليها قال تعالى: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾.
فإننا نسأل اللهَ العظيم أن يجعلنا من أهل تلك الدار إنه على ما يشاء قدير وبعباده لطيف خبير.
الجنّة دار السلام
الجنّة حقّ أي وجودها ثابت، وهي مخلوقة الآن ولها ثمانية أبواب منها باب الريان الذي يدخل منه الصائمون، وكذا شهيد المعركة فإنّه يُخيّر من أي أبواب الجنّة شاء أن يدخل، والجنّة فوق السماء السابعة منفصلة عنها بمسافة بعيدة ولها أرضها المستقلة وسقفها عرش الرحمن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: "إذا سألتم الله الجنّة فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقه عرش الرحمن".
وأهل الجنّة على صورة أبيهم ءادم ستون ذراع طولاً في عرض سبعة أذرع حِسان الوجوه، فمن كان في الدنيا من المؤمنين دميمًا تذهب عنه دمامته، يجعله الله تعالى في الجنّة كجمال يوسف الصدّيق عليه السلام، أي يعطيه شبهًا بيوسف الصدّيق في الجمال، والذي كان قصيرًا يذهب عنه قصره. ويجعل اللهُ تعالى في كل واحد علامة تميزه عن غيره أن هذا هو فلان حتى إن زاره من كان يعرفه في الدنيا يعرفه تلك الساعة، فإن أهل الجنّة يتزاورون وتزاورهم يحصل إما بأن يطير بالشخص سريره حتى ينزل به أمام سرير الذي يريد زيارته فيجلسان متقابلين لأنه من سهولة السير هناك السرير الذي عليه الشخص بمجرد اشتياقه لصاحبه الذي يريد رؤيته يطير به بقدرة الله تعالى حتى ينزل به أمام سرير ذلك الشخص فيتجالسان ويتحدثان، ثم يطير به إذا أراد الرجوع إلى منزله وهذا هو معنى الآية: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ (سورة الحجر). وأما قوله تعالى: ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ (سورة الغاشية) قال ابن عباس: ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها، فإذا أراد أن يجلس عليها أصحابها تواضعت لهم حتى يجلسوا عليها، ثم ترتفع إلى موضعها، وأحيانا يركبون خيولاً من ياقوت لها أجنحة من ذهب تطير بهم.
وأهل الجنّة جرد مرد بِيض في عمر ثلاثة وثلاثين عامًا، لا تنبت لهم لحية وليس على أذرعتهم ولا على بطونهم ولا على سيقانهم شعر إلا شعر الرأس والحاجب والأهداب، ثم إنَّ طعامهم وشرابهم لا يتحول إلى الغائط والبول، إنما يفيض من جسمهم عرقًا كالمسك ليس كعرق الدنيا، عرق الدنيا يتولد منه الوسخ والقمل وغير ذلك.
وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ ينادي مناد: إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكُم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدًا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا"، وءاخر من يدخل الجنّة من المؤمنين له مثل الدنيا وعشرة أمثالها. وقد ورد ذلك في حديث صحيح رواه البخاري وغيره.
الواحد من أهل الجنّة أقلّ ما يكون عنده من الولدان المخلدين عشرة ءالاف، بإحدى يدي كلّ منهم صحيفة من ذهب وبالأخرى صحيفةٌ من فضة قال تعالى:﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ﴾ (سورة الزخرف) والأكواب جمع كوب وهو إناء مستدير لا عروة له أي لا أذن له. وقال تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾ (سورة الطور) أي يطوف للخدمة غلمان كأنهم من الحسن والبياض لؤلؤ مكنون أي لم تمسه الأيدي. ومما جاء أيضًا في وصفها ما رواه ابن حبان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"هي وربّ الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد ونهر مطّرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبدي في حُبرة ونضرة".
تابع