إن الذي ينظر للأرض من الخارج يراها كرة مستديرة ولا يكاد يحسّ بأي فرق بين أقطارها. ولكن القياسات الحديثة بينت أن هنالك نقصاناً في قطر الأرض عند القطبين. فقطر الأرض عند خط الاستواء يزيد على قطرها عند القطبين بحدود (43) كيلو متراً تقريباً، فما هو سرّ هذا التناقص، وهل هو ثابت أم يتغير مع الزمن ولماذا؟
هذه التساؤلات وغيرها كانت الشغل الشاغل لعلماء الأرض على مدى القرن العشرين. فالأرض تدور حول نفسها بسرعة كبيرة تتجاوز الـ (1600) كيلو متراً في الساعة! وتدور حول الشمس بسرعة هائلة تتجاوز المئة ألف كيلو متراً في الساعة! هذا الدوران المستمر على مرّ آلاف الملايين من السنين يؤدي إلى انكماش الأرض وتناقص قطرها عند القطبين بسبب القوة النابذة الهائلة المتولدة عند خط الاستواء. لذلك نجد شكل الأرض بيضاويا وليس تام الاستدارة.
إن التناقص في قطر الأرض عند طرفيها (القطبين) يتم بمعدل مليمترات كل سنة! هذه المسافة الدقيقة لا يمكن قياسها مباشرة. ولكن تم استنتاجها من خلال الحسابات والأرقام. فهل في كتاب الله حديث عن نقصان الأرض من أطرافها باستمرار؟ يقول عز وجل في محكم الذكر مخاطباً هؤلاء المشككين بصدق القرآن ويبين لهم حقيقة علمية هم الذين كشفوها: (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) [الأنبياء: 44]. وتأمل معي كلمة (ننقصها) التي تعطي معنى الاستمرار. فالأرض كانت تنقص من أطرافها وهي مستمرة في التناقص. وحدَّد القرآن هذا التناقص عند أطراف الأرض عند القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي. هنالك كثير من التناقص في الأرض، فالكرة الأرضية تنفث ملايين الأطنان من فوهات البراكين، ويتسرب جزء منها إلى خارج الغلاف الجوي وهذا نقصان في وزن الأرض باستمرار.
هنالك نقصان آخر في قمم الجبال التي تنقص باستمرار بفعل العوامل الجوية كالرياح. كذلك يمارس البحر دوره في الحتّ لشواطئه فتتآكل هذه الشواطئ باستمرار وتتناقص. وهذا يعد نقصاناً للأرض من أطراف اليابسة. هنالك نقصان آخر في سرعة دوران الأرض. فعند بداية خلق الأرض كانت أكبر من حجمها الحالي بمئتي ضعف تقريباً، وكانت أسرع بعدة مرات. وهنالك سلسلة من التناقص الأرضية من حيث المادة والطاقة والمجال المغنطيسي الأرضي وغير ذلك. إذن هذه الآية شاملة لجميع أنواع النقصان الأرضي، وهذا يدل على أن المصطلحات العلمية القرآنية شاملة وتراعي تطور العلم فكلما جدَّ جديد في كشوفات العلم اتضحت أمامنا تفسيرات جديدة للآية لم نكن نعلمها من قبل.