رؤية الله تعالى في الآخرة
أعظم نعيم أهل الجنة
قال الله تعالى في محكم التنزيل :{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)} (سورة الإنسان) وقال عز وجل :{وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا (13)} (سورة الإنسان) وقال تعالى :{وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)} (سورة الواقعة) وقال تعالى :{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا (19)} (سورة الإنسان) ويقول تعالى :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} (سورة القيامة) وقد استدل الشافعي محمد بن إدريس رحمه الله بقوله تعالى :{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} (سورة المطففين) إخبارًا عن الكفار بأن المؤمنين يرون الله عز وجل، فإذا كان الكفار حُجبوا عن الرؤية فإن الرؤيةَ ثابتة للمؤمنين بقوله عز وجل :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} فهذه الآية أيضًا فيها إثبات رؤية المؤمنين لله عز وجل، وقد روى مسلم رحمه الله تعالى أن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قال :"إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنَّةَ يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم: فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجلَّ".
فالله تعالى خلق العباد منهم المؤمن ومنهم الكافر، وقد أعدّ للكافرين عذابًا أليمًا وهيّأ للمؤمنين العيش الرغيد والنعيم المقيم، وقد وعد الله عباده المؤمنين الصالحين دخول الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأكبرُ وأعظمُ نعمة يُعطاها العبد في الجنة رؤية ذات الله المقدس، أما في هذه الدنيا الفانية فقد حجب الله عنا ذلك. والكافر لا يرى الله لا في الدنيا ولا في الآخرة لأنه كفَرَ ولم يؤمن بالله تبارك وتعالى.
الله لا يشبه المخلوقات
إن رؤية المؤمنين لله تعالى وهم في الجنة تكون بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة ولا مسافة قُرب أو بُعد ولا كيفية ولا حجم ولا لون، يرون اللهَ الذي لا يشبه شيئًا من المخلوقات، ولا يكون عليهم في هذه الرؤية اشتباه ولا أدنى شكٍ هل الذي رأوه هو الله أو غيرهُ كما لا يشك مبصرُ القمر ليلة البدر ليس دونه سحابٌ أن الذي رءاه هو القمر؛ ففي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنَّكم سترون ربَّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته" رواه مسلم.
فقد شبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رؤيتنا لله تعالى من حيثُ عدمُ الشكّ برؤيتنا للقمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، ولم يشبه اللهَ تعالى بالقمر؛ فإن كثيرًا من الجهال إذا ذُكر أمامهم هذا الحديث يتوهمون أن اللهَ يشبه القمر والعياذ بالله، وقد صرح بعض العوامّ بذلك، وهذا من سفه الكلام وكفر بالله العظيم، فحاشى أن يكون الله شبيهًا للقمر أو لغيره من المخلوقات وهو الذي وصف نفسه في القرءان الكريم فقال عز وجل :{ليس كمثله شىء} أي أن الله لا يشبه شيئًا من خلقه ولا يشبهه شىء من خلقه.
واعلم أنّه لا يجوز تفسير {ناظرة} في قوله تعالى :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} بنظر التفكر والاعتبار بخلافه في قوله تعالى :{أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)} (سورة الغاشية) لأن الدنيا دار عمل والآخرة دار حساب، وكذلك لا يجوزُ أن يكون بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى :{مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} لأنه لا يجوزُ تأويل النصّ أي إخراجُه عن ظاهره لغير دليل عقليّ قاطع أو سمْعيّ ثابت كما قال الرازيّ في المحصول، ولأنه ليس في شىء من أمر الجنة انتظارٌ، بل ينال المرءُ فيها ما تشتهيه نفسُهُ بدون انتظار لأن هذا الانتظار الوارد في هذه الآية معه تنغيص وتكدير. والآية {إلى ربّها ناظرة} خرجت مخرج البشارة للمؤمنين، وأهل الجنة ممكَّنون مما أرادوا وقادرون عليه، فإذا خطر ببالهم شىء حصلوا عليه مع خطوره ببالهم.
تابع