المرأة.. نحو الإبداع وبعيداً عن التطرف
مسكينة هي المرأة في بلداننا، نضطهدها فتصبر، ونتجنى عليها فتحتمل، ونظلمها فتعدل، لا هي التي أخذت حقوقها فرضيت، ولا نحن الذين أعطيناها إياها فنمن!
هي على الدوام في برزخ بين حقها الذي يجب الاعتراف به ونخوتها التي تأرز إليها، بين جحود دائم لقدرتها وحقها، جحود يغلفه الدين تارة وتهضمه العادات تارات، وتبقى هي كائناً متلقياً لا مرسلاً، محتملاً صابراً لا جانياً.
ليس قدر المرأة أن تبقى مضطهدة على الدوام ومجبرةً على الانزواء، بل هي عنصر فاعل في التفاعل البشري، وقد أثبت تطور البشرية أنّ اضطهادها وتهميشها إنما كان بسبب التخلّف العقلي الذي كانت تعيشه البشرية لا المرأة، حيث لم يكن يدرك البشر حينذاك ما يدركه الإنسان المعاصر، حيث كان السائد هو اعتبار الأنثى مجرد متعةٍ للرجل، فهي بحسب الثقافة الغابرة لا تمتلك عقلاً، ولا تحمل فكراً، ولا تخلق إبداعاً، وهو ما اختلف اليوم اختلافاً جذرياً.
لقد وصلت المرأة اليوم إلى أعلى المناصب والمراتب في عالمنا الحديث، سواء كانت تلك المناصب والمراتب علميةً أم اقتصادية أم سياسيةً أم اجتماعيةً، لا فرق، فالمرأة قد أثبتت وجودها على كافة الصعد، وقد أصبحت إنجازاتها حديث العالمين في كافة المجالات.
إنها تشارك في اختراق الفضاء، وها نحن نشهد لأول مرة اجتماع أربع نساء في المحطة الفضائية الدولية، وتشارك في الاكتشافات العلمية المبهرة وتساهم في التقدم الحضاري للبشرية، وقد زادت نسبة إبداعها تزامناً مع وعي العالم بقيمتها كإنسانةٍ لا تختلف عن الرجل في شيء، فها نحن نجدها اليوم مبرزةً في كل المجالات الحيوية من السياسة إلى الدين إلى العلم إلى التجارب والإنجاز والتأثير، والأمثلة لا تحصى والنماذج بلا حساب.
ربما حين يستغرقنا النظر في التاريخ أن نقول إن دور المرأة فيه لم يكن يقارب بحال دور الرجل، وهذا صحيح، ولكنّ التاريخ ليس هو الحكم الوحيد على مثل هذه الحالة، فالتطور البشري لم يكن يسمح بمساحةٍ تمنح المرأة القدرة على التعلّم وإبداء الرأي وبالتالي التأثير في المجريات التاريخية، ولكنّ هذه الصورة المنطبعة بناء على النظر التاريخي فحسب، هي نظرة قاصرة بكل الأحوال، وتدمغها المقارنة بالمرأة في العالم المعاصر، ويقضي عليها رصد إبداعاتها وتأثيرها، ومدى حضورها الكبير في عالم اليوم.
نحن نرى في العصر الحديث كيف أنّ المرأة المعاصرة قادرة على تولّي أرقى المناصب وأن يكون أداؤها فيها أرقى بمراحل من أداء كثيرٍ من زملائها الرجال، سواء كانت تلك المناصب سياسيةً أم علميةً أم فلسفيةً أم غيرها.
المرأة السياسية لها أمثلة كثيرة في العصر الحديث مع استحضار بعض النماذج التاريخية لتأكيدها، في العصر الحديث هيلاري كلينتون تتولّى حقيبة الخارجية وهي من أهم الحقائب في الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأكبر في العالم، أنجيلا ميركل تتسنم مكانةً أرقى في وطنها فهي مستشارة ألمانيا، كما نتذكّر مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، وبينظير بوتو في باكستان، وتشيلر في تركيا وغيرهنّ كثير في الفلبين وسيريلانكا وبنجلاديش وغيرها من البلدان.
أما في التاريخ فثمة إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا بكل عظمتها، وقبلها كليوباترا في التاريخ الفرعوني السحيق وكذلك زنوبيا في تدمر، وأيضاً شجرة الدرّ في التاريخ الوسيط في عصر المماليك الإسلامي، وغيرهنّ كثير.
كما نشير في هذا السياق إلى لعائشة في صدر الإسلام ودورها السياسي الخطير الذي لعبت فيه دور القائد المعاند لا الزعيم المهادن، وكل من قرأ التاريخ الإسلامي يجد لهذا خبراً ويستنتج منه عبرا.
في كثيرٍ من التراث الإنساني والديني كانت المرأة تعتبر موئل الرذيلة وموطن الفتنة ومجلبة العار، ولكن هذه النظرة القديمة المتخلفة لم يعد لها مكانٌ في الحاضر اليوم، فقد أثبتت المرأة مكانتها في كل المجالات حين فتح لها الباب ومنحت حقها في طرق المجالات التي كانت مغلقة عليها في غابر التاريخ وماضي الأيام.
في الخليج تطور ملحوظ لدور المرأة، في الكويت، تصل أربع مرشحات لمجلس الأمة دفعةً واحدةً، وفي السعودية تحقق غادة المطيري وحياة سندي وغيرهما إنجازاتٍ علميةٍ مشهودةٍ، وفي الإمارات تتبوأ المرأة مناصب سياسية وإدارية عليا وصلت حدّ وزيرةٍ وقاضيةٍ وغيرها من المناصب.
كذلك في قطر تضطلع الشيخة موزة بأدوارٍ غاية في الأهمية لرفع دور المرأة وترقيتها، وفي البحرين تترشح للانتخابات وتنال الكثير من الحقوق.
وفي السعودية أيضاً نجد الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، كما نجد الأميرة حصة بنت سلمان، وبعض بنات الملك سعود، فضلاً عن الكاتبات المبدعات اللاتي أثبتن وجودهن عبر أقلامهن الحرة والمبدعة، وفي الإمارات نجد الوزيرة والشيخة والقاضية على حد سواء مع نظرائها الرجال. وفي الكويت يمكننا عدّ الكثير من النساء الناشطات في مجتمعهن عبر الكثير من منابر التعبير، فقد وصل إلى سدة البرلمان أربع نساءٍ دفعةً واحدةً في أوّل استحقاقٍ انتخابي تخوضه المرأة، فضلا عن حضور لافتٍ من قبل ومن بعد فيما يتعلق بالشأن العام.
هذه النماذج الناجحة للمرأة ينبغي أن تكون هي النموذج والمثال الذي تقتدي به بناتنا، والأجيال الصاعدة منهن، فمن اتبع الناجحين نجح، ومن اقتفى المبدعين أبدع.
في الضفة الأخرى طالعتنا بعض وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عن خبرٍ يتعلّق بتنظيم «القاعدة» وإلقاء السلطات السعودية القبض على هيلة القصير، التي تعدّ من أخطر عناصر التنظيم في السعودية، والمثير في الخبر هو أنّ إعلان اسمها قد جاء من تنظيم «القاعدة» في اليمن، وليس من السلطات الأمنية السعودية، والأكثر إثارة وغرابة هو خروج نائب قائد التنظيم عن طوره بسبب هذا الاعتقال ومطالبته الصوتية بخطف الأمراء والوزراء والضباط والأجانب من أجل مبادلتهم بهيلة القصير، مما يدلّ على أهميتها للتنظيم وتأثيرها الكبير فيه.
نسب لهيلة القصير جمع الأموال التي وصل بعضها لأكثر من 650 ألف دولار أميركي، وهو رقم كبير لم نسمع بمثله في السنوات الأخيرة بعد حصار التنظيم وطرده ليتخذ من اليمن قاعدةً له.
يجب أن نجد طريقةً لتجنيب بناتنا وفلذات أكبادنا مثل هذه الطريق التي لا توصل إلا إلى الخراب ولا تنتهي إلا إلى الدمار، فطريق الإرهاب طريق حمراء قانية، تهدم ولا تبني، تدمر ولا تعمر، تقتل ولا تحيي.
إن اختباء النساء المتطرفات تحت غطاء الخصوصية في التعامل مع المرأة اجتماعياً يجب أن ينتهي بطريقة أو بأخرى، فالمرأة شقيقة الرجل في الخضوع للقانون والنظام والمساءلة، وحين ترتكب جريمة فعليها أن تتحمل الأحكام القضائية وأن تخضع للأنظمة الوطنية، فكونها امرأةً لا يمنع محاسبتها ومعاقبتها بأي حالٍ من الأحوال.
لبناتنا في تفوّق المبدعات درس يطرزه النجاح والإبداع، ولهنّ في انحراف الإرهابيات عبرة وعظة، وبيدهن خيار الانحياز للحياة عن الموت، وللتقدم عن التأخر، وعلينا كمجتمع ودولة أن نأخذ بأيديهن ونساعدهن ونمنحهن الفرص لإبراز شخصياتهن وإبداعاتهن في كل المجالات.