يذكر صاحب من الثوابت العلمية في القرآن من بعض التصرفات الذكية الألمعية عند الحيوان ، ما يلقي الضوء على معنى قول الله (ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدَى) ، يُذْكَرُ أن طبيباً وجد في طريقه كلباً كسرت إحدى قوائمه ، فأخذه إلى عيادته واهتم بها وقومها وجبرها واعتنى به حتى شفي تماماً ، ثم أطلق سراحه ، وبعد ذلك بزمن سمع الطبيب قرعاً لطيفاً على باب عيادته فوجد الكلب نفسه مصطحباً معه كلباً آخر مكسور الرجل ، جاء به إلى المعاينة والعلاج ، فسبحان الله ولا إله إلا الله ، هذه عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها *** ، والأعجب من ذلك قصة هرٍ اعتاد أن يجد طعامه اليومي أمام بيت أحد المهتمين به فيأكله وفي أحد الأيام لاحظ رب البيت أن الهر لم يعد يكتفي بالقليل مما كان يقدم له من قبل ، أصبح يسرق غير ذلك فقام رب البيت يرصده ويراقبه فوجده يذهب بالطعام إلى هرٍ أعمى فيضع الطعام أمامه ، فتبارك الله (ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) ، ويذكر أيضاً صاحب عجائب الأحياء أن فرساً صغيراً ماتت أمه عنه ، فقام صاحبها الأعرابي واسمه [الزعتري]الذي يسكن مصر برعاية الفرس اليتيم رعاية بلغت حد التدليل ، فكان يقدم له الشعير مخلوطاً بالسكر ، وإذا مرض استدعى له الطبيب البيطري لفحصه إذا أصابه ما أصابه ، ولا غرابة في ذلك الاهتمام أيها الأحبة ، إذا علمتم ما ثبت في صحيح الجامع عن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس من فرس عربي إلا ويؤذن له مع كل فجر فيدعو بدعوة فيقول اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه " فالفرس العربي يتجه بالدعاء إلى من يستحق الدعاء ، والله عز وجل يجيبه فيجعله من أحب أهل ومال الإنسان إليه والواقع يشهد بذلك ، ولا عجب فإن جذع النخلة وهو جماد بكى وأن وتألم وحزن وخار وتصدع لفراق الذكر حتى مسحه صلى الله عليه وسلم ، فسكن أحسن ما يكون السكون ، حن جذع إليه وهو جماد فعجيب أن تجمد الأحياء ، ويمرض الأعرابي الزعتري فيفقد
الفرس شهيته ويترك حظيرته ليرابط أمام خيمة صاحبه وظل كذلك أياماً ثم مات الزعتري وحمل المشيعون جنازته فسار الفرس خلفهم حزيناً منكس الرأس حتى دُفِنَ صاحبه العزيز عليه في التراب ، ولما هم المشيعون بالرجوع انطلق الفرس المفجوع كالبرق وظل منطلقا حتى وصل إلى تلٍ عالٍ فصعده ثم ألقى بنفسه من قمته ليلقى حتفه وسط دهشة الجميع ، فسبحان من رزقه تلك الأحاسيس والمشاعر ومن سلبها كثيراً ممن كرمه الله من بني آدم ، ومن عجيب أمر القردة ما ذكره البخاري في صحيحه عن [عمرو بن ميمون] ، قال : رأيت في الجاهلية قرداً وقردةً زنيا فاجتمع عليهم القرود فرجموهما حتى ماتا ، عجباً لها من قرود ، تقيم الحدود حين عطلها بعض بني آدم ، إن هدايتها فوق هداية أكثر الناس (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ومن عجيب أمر الفأر ما ذكره صاحب العقيدة في الله أنها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرة ينقص ويعز عليها الوصول إليه في أسفل الجرة فتذهب وتحمل في أفواهها الماء ثم تصبه في الجرة حتى يرتفع الزيت ويقترب منها ثم تشربه ، من علمها ذلك ، إنه الله أحق مَن عُبِدَ وصُلِّيَ لَهُ وسُجِد ، سبحان من يجري الأمور بحكمة في الخلق بالإرزاق والحرمان ، من علم الذئب إذا نام أن يناوب بين عينيه فينام بإحداهما حتى إذا نعست الأخرى نام وفتح بها الثانية ،
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
من علم الطاووس أن يلقي ريشه في الخريف إذا ألقى الشجر ورقه ، فإذا اكتسى الشجر اكتسى أيضاً ، بإذن من؟ ، بإذن من؟ ، من علم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث؟ فلا يسمعها عصفور حولها حتى يجيء فيطير الجميع حول الفرخ ويحركونه ويحدثون له همة وقوة وحركة حتى يطير معهم ، ذاكم هو الله القائل (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) واستطراداً فما أجمل قول [سفيان بن عيينة] رحمه الله حول قول
الله (إلا أمم أمثالكم) يوم قال : فما في الأرض من آدمي إلا وفيه شبه من البهائم فمنهم من **** الأسد ، ومنهم من يعدو عدو الذئب ، ومنهم من ينبح نباح الكلب ، ومنهم من يختال كالطاووس ، ومنهم من يشبه الخنازير التي إذا ألقي إليها أطيب الطعام عافته ، فإذا قام الرجل عن غائطه ولغت فيه ، فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها ـ رحم الله سفيان ـ نَعَم ، وإن أخطأ أخوه حفظ ذلك الخطأ وشنع عليه بلا هدى تحت طيش الهوى وحب الغلبة ورغبة الاستعلاء ، وإرادة *** الغير ، تحريش غامض ، وتصنيف ساقط بلا برهان ولا بينة ، كفى أخي ثم كفى ، إذا لم تجد قولاً سديداً تقوله فطمتك على غير السداد سداد ، أحبتي في الله إن فيما أودع الله في مخلوقاته ما يستنطق الأفواه بالتسبيح ويملأ القلوب إجلالاً من معرفة حكمته وقدرته وما به يعلم العاقل أنه لم يخلق عبثاً ولم يترك سُدى ، فلله في كل مخلوق حكمة باهرة وآية ظاهرة وبرهان قاطع يدل على أنه المنفرد بكل كمال وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ، قد خلق الخلق ليعبدوه