......................
الاستشراق والإسلام > دراسة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية >
دراسة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية
التي أعدّها ريجيس بلاشير
الشيخ فودي سوريبا كمارا
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنـزيل: ]ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين [ (الروم:22) وأصلي وأسلم على من خاطبه الله بقوله تعالى ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا[ (سبأ:28) سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا البحث يتكون من مقدمة وفصلين وخاتمة. ألقيت في المقدمة نظرة سريعة على تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية بصفة عامة، وإلى اللغة الفرنسية بصفة خاصة. وبينت في الفصل الأول آراء بلاشير بالنسبة إلى القرآن الكريم، وكونه منـزلاً من عند الله وما إلى ذلك. أما الفصل الثاني فقد فصَّلْت فيه القول في بعض أخطائه في ترجمته لمعاني القرآن الكريم، وذكرت ذلك في مبحثين. ذكرت في المبحث الأول بعض أخطائه في المسائل النحوية، كما ذكرت في المبحث الثاني بعض أخطائه في المسائل اللغوية. وذكرت في الخاتمة تعليقات وتوصيات.
مقدمة
إن الترجمة وسيلة تبليغٍ لرسالة الله، وهمزة وصل بين الثقافات، وأداة اتصال وتفاهم بين الشعوب والأمم،لذلك "فإن الحاجة إلى الترجمة ضـرورية" كما صرح بذلك سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رحمه الله([1]). ويرى فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين –رحمه الله- أن ترجمة معاني القرآن الكريم واجبة. وقال: "وأما الترجمة المعنوية فهي جائزة في الأصل؛ لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة لإبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين بالعربية. لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب"([2]) .كما أن الترجمة – شأنها في ذلك شأن كل العلوم تقريباً – سلاح ذو حدين: يمكن استعماله أداة للبناء أو معولاً للهدم.
وقد بدأ الصحابة رضوان الله عليهم في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى مختلف اللغات منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم([3])، واستغلها المسلمون الأوائل استغلالاً حسناً في جزء لا يستهان به من أنحاء المعمورة، وذلك بشرح معاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والكتب الإسلامية المعتمدة، بواسطة مترجمين، للشعوب غير العربية في المجالس العلمية والاحتفالات الدينية. والواقع الملموس يشهد على أن جهود هؤلاء المسلمين الأوائل – مع حسن معاملتهم للناس- قد آتت ثمارها في كل أنحاء العالم، في نشر الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها في فترة وجيزة وبسرعة مذهلة لم يشهد التاريخ لها مثيلا. وفي المقابل استغل بعض أعداء الإسلام من المنصِّرين و المستشرقين وغيرهم الترجمة في محاربة الإسلام الذي أقضَّ مضجعهم سرعة انتشاره وشدة تمسك معتنقيه به، وذلك رغم كل ما يستعملونه ضد الإسلام من مختلف أنواع التهديد والإغراء ورغم ما يتهمونه به من التخلف والجمود والسحر والشعر والكهانة وغير ذلك، فبدؤوا يفكرون في تطوير هذه الأساليب التي باءت بالفشل الذريع وصارت موضع سخرية لدى الجميع، حتى وصلوا بأفكارهم العنيدة إلى القيام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم. فرأوا في ذلك ضالتهم المنشودة لما يتيح لهم من فرصة ظهورهم أحيانا في ثياب أصدقاء مع أنهم في الحقيقة أعداء ألدّاء، كما يسهّل عليهم دس السم في الدسم كما يريدون. لذلك اهتموا بترجمة معاني القرآن الكريم اهتماماً كبيراً، ويشجعهم في هذا العمل العدائي ضد كتاب الله الكريم كون عدد قارئي الترجمات أكثر من عدد قارئي النص العربي،وبعبارة أخرى كون المسلمين غير العرب أكثر من المسلمين العرب.
نبذة تاريخية عن تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية
يبدو أن أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم ظهرت إلى حيز الوجود في أوربا الغربية كانت بمبادرة من بيير المحترم Pierre le vénérable ) ) رئيس دير كلوني (Cluny) المتوفى سنة 1156م الذي طلب من بيير الطليطلي Pierre de Tolède أن يقدم له ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم. وقد نشرت هذه الترجمة في مدينة بال سنة 1543م، ثم نشرت بعد ذلك بقليل في مدينة زيورخ. وقد قال بلاشير([4]) عن هذا القس ما يلي: "وكان طلبه لترجمة القرآن (الكريم) استمرارا لروح الحروب الصليبية، ومن جهة أخرى لحاجته إلى ما يمحو به أية آثار ما زالت عالقة بذهن المسلمين الأسبان الذين تم تنصيرهم حديثا، ويبدو أن الترجمة التي تمت في مدينة طليطلة لم تكن أمينة بالمرة وكانت غير كاملة".
أما أول ترجمة فرنسية فقد أعدها في منتصف القرن السابع عشر أندريه دوريير André de Ryer.([5]) وعن ترجمة دوريير الفرنسية هذه ترجم القرآن الكريم إلى الإنجليزية بواسطة ألكسندر روس A..Ross عام 1649م، وإلى الهولندية بواسطة جلازماخر Glazemaker عام 1657م ([6]). ومن الترجمات الفرنسية ترجمة سافاري (Savary) الفرنسية التي حظيت برواج كبير في القرنين الماضيين. وقد نشرت هذه الترجمة في عامي 1783 م و 1951 م كما يبدو، وكذلك طبعت ترجمة كازيمرسكي Kasimirskiفي عام 1840 م. ويقول موريس بوكاي([7]): "ويطغى على الترجمات الأولى التصرف الواسع بالنص، لأن همَّ المترجمين كان منصرفا إلى"محاربة البدعة" أكثر من اهتمامهم بدقة الترجمة ومطابقتها لمضمون القرآن الكريم". وقد بلغت ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، حسب إحصائيات الأستاذ حميد الله في مقدمة ترجمته الآنفة الذكر، ستاً وثلاثين ترجمة، أكثرها ترجمات المستشرقين، من ضمنها ترجمة لمستشرقة كتبت على ترجمتها اسماً شبه مستعار([8]). وحاولت في ترجمتها أن تحذو حذو بلاشير في ترجمته، وأن تقتدي به في كثير من الأحيان، وهو ما جعلها تقع في أخطاء كثيرة.([9]) وقد كتبت ترجمتها
بتشجيع من لوي ماسينيون . Louis Massignon([10])
وقد ظهر عدد كثير من هؤلاء المترجمين المستشرقين "في ثياب صديق" كأمثال جاك بيريك وريجيس بلاشير وغيرهما. فقد كان جاك بيريك عضوا بالمجمع اللغوي المصري، كما كان ريجيس بلاشير من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق !!! ولقد عانى القرآن الكريم الأمرّين من هذين " العضوين" في ترجمتيهما لمعانيه. وبما أن (ما لا يدرك كله لا يترك كله) سأحاول الإشارة في هذه العجالة إلى بعض الأخطاء أو المغالطات التي لاحظتها في ترجمة ريجيس بلاشير هذا العضو للمجمع العلمي العربي بدمشق.
فمن ريجيس بلاشير ؟
ريجيس بلاشير (Régis Blachère) (1318–1393هـ = 1900–1973م) من أشهر مستشرقي فرنسا في القرن العشرين ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق(!). ولد في مونروج (من ضواحي باريس). تعلم العربية في الدار البيضاء (بالمغرب) وتخرج في كـلية الآداب في الجـزائر (1922م) و عين أستاذاً في معـهد الدراسات المغربية العليا في الـربـاط (1924– 1935م) وانتقل إلى باريس محاضرا في السوربون (1938م)، فمديراً لمدرسة الدراسات العليا العلمية (1942م) وأشرف على مجلة "المعرفة" الباريسية، بالعربية والفرنسية. وألف بالفرنسية كتبا كثيرة ترجم بعضها إلى العربية، ونجح في فرض تدريسها في بعض المعاهد الثانوية الفرنسية. من كتبه:
1 – ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية في ثلاثة أجزاء، أولها مقدمة القرآن الكريم. ثم نشر الترجمة وحدها في عام 1957م ثم أعيد طبعها عام 1966م.
2 – تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية د. إبراهيم الكيلاني.
3 – قواعد العربية الفصحى.
4 – أبو الطيب المتنبي، نقله إلى العربية د. أحمد أحمد بدوي.
5 – معجم عربي فرنسي إنكليزي.
......................