مامن أحد منا في هذه الدنيا إلا وقد سقته الدنيا خمرها حتى الثمالة ، فإما إلى يقظة ، وإما إلى ضياع .....
نستيقظ كل يوم فتزيدنا سُكرا ، وننام كل يوم نحمل بين أنفاسنا عبق الخمر ، ونزق العذوبة المطلقة .....
ثم تعود وتنظر إلينا شذرا ، وتتفرس في أعطاف حياتنا بنظرات الغضب والمهانة ، فتشتد بنا بريحها لتنفض عنا غبار السُّكر وتوقظنا على أشد ابتلاء ،ترمقنا بعين التحدي ...فتتلاحق أنفاسنا وبالكاد نبتلع الريق ....فمنا من يسقط مغشيا عليه ، ومنا من ينطلق لايلوي على شيء ومنا من يتعلق بحبل إيمانِ اكتسبه بجمر الصبر، وجرح العزيمة يُغمد في صدغه أو جنبه أو يده .....
إلى أين تمضي أيتها النفس ، وعلى ماذا تبكي أيتها العين ، تُرى ما لون العهد الذي بيننا وبين زخرف الدنيا وزينتها ؟؟
ترى ماهو العهد الذي بيننا وبين حياةِ نعلم حق العلم أننا تاركوها ؟،وأنها بلا قيمة سوى كونها سجلا للحضور والغياب ، ينطق بأفعالنا وحركاتنا وسكناتنا ..كتاب نقبضه باليمين أو الشمال !
لم يلقِ البعض بضمائرهم في سلة المهملات ، ويحملون المراء والنفاق على رؤوسهم تيجانا مرصعة بزمرد الكذب والخيانة ؟
لم يجتث الهالكون شآبيب الرحمة من شياطين الإنس والجن ، ناسين أو متناسين أن شآبيب الرحمة لا تُجتث ، وإنما يٌزحف لها على كم الزجاج المكسور في أرض العهر ....للوصول لسماء الفضيلة ....وأن رب العباد هناك ...ينتظر بلهفة عودة عبده من ماخور المهانة إلى عزة الرقي والشرف ...
وأستيقض كل صباح لأجد كأس الخمر رابضا على أرض الحياة الفانية ..يغريني بأن أشرب ، واستمتع ، وأنسى ....وأصبح مجرد إمّعة في طريق أحدهم أو أحداهن ، يستخدمني كيفما يشاء وحيثما يشاء ...وأطلق ابتسامة سخر ملتوية صفراء ..وأطيح به بيدٍ من إيمان ، فالسكر والعهر للضعفاء من الناس وألتفت إلى كأس العناء والشقاء والقهر ...وأتناوله رشفة رشفة ....وتسيل الدماء من شفتي العاريتين من الكذب والنفاق والرياء ...وأنتشي ....
هناك من وعد الصابرين خير الجزاء ، هناك من ابتلى القادرين شر البلاء ليمتحن قدرتهم وحبهم لرب العباد ، الذي جعل الأنبياء والصالحين أشد الناس بلاءا ، فشربوا كأس البلاء والشقاء وسطروا تاريخا وضاءاً للبشرية باسم الإيمان والعدل والحرية ....باسم لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله ...
فطوبى لجنود الخفاء ، وطوبى لشاربي المر والحنظل في زمن اشتد حلو عسله ، حتى لكاد يودي بطعم المر ....إلا من رحم
ربي
منقووووول